في رأي من غير الصحيح اعتبار الثوره المصريه نهاية او بداية اي شيئ فهي ليست نتيجه و لا سبب لأي شيء، واقعيا هي مجرد عارض لنظام فسد من الداخل حتي اصبح الفشل هو الطبيعي فلم يعد استمراره ممكنا. نظام فاسد و فاشل اي ان لا يمكن اعادة استخدام اي جزء من أجزاءه، و الثوره بما انها عارض فهي لا تقدم أية حلول بل يشوبها نفس أعراض الفساد و الفشل، و في النهاية فهي تعتمد علي اجزاء من النظام لإصلاحه. للأسف النظام الفاشل لم يبقي اي شيئ يمكن البناء عليه.
يظهر هذا الفشل في كل تعامل حكومي، فمنذ بضعة ايام كنت أحاول ان اصدر توكيلا قانونيا من الشهر العقاري، اي ان كل المطلوب من الحكومه هو تسجيل ورقه، بل جمله واحده. تمر علي اول موظف لتخبره عن نوع التوكيل فيعطيك الاستمارة المناسبة التي عليك ان تملأها ثم تعطيها للموظف الثاني ليراجعها و يخبرك ان تذهب للخزانه، في الخزانه موظفان احدهم يخبرك بالمبلغ المطلوب و الاخر يحصله و يعطيك إيصال مكتوب باليد، تعود للموظف الثاني الذي يخبرك ان عليك تصوير الاستمارة ( في الكشك المقابل اي لا توجد ماكينات تصوير في المصالح الحكومية) ثم تنتظر لينادي علي اسمك. اخيرا يبدأ الموظف في نسخ نص التوكيل يدويا في ذلك الدفتر العملاق معطيا إياه رقم تسجيل، أخيرا تذهب لرئيس المكتب ليختم الاستمارة. خمسة موظفين و ساعه علي الاقل لما يمكن ان يفعله الكمبيوتر في ثانيه. بالمناسبه هناك جهاز كمبيوتر علي كل مكتب مغلف بالفوم و البلاستيك حيث انه عهده. اشك ان أيا من هؤلاء الموظفين يمكنهن استخدامه.
في قصه اخري كنت أحاول استصدار بدل فاقد لوثيقة ما فكان علي عمل محضر و الإتيان بصورته، مبدأيا لم يكن لدي القسم ورق ابيض ولا أقلام! بعد حل بضعة مشاكل من هذا النوع أعطيت رقم و تم إخباري ان علي الذهاب الي النيابة بعد خمسة عشر يوم للحصول علي نسخه من المحضر. بعد خمسة عشر يوم ذهبت الي ذلك المكتب الممتلئ بآلاف المحاضر و اربعة موظفين كل وظيفتهم تحويل الأرقام الي محاضر و بالعكس، مع تحصيل مبلغ معين كرشوه او بلطجه مع كل معامله، اكتشفت يومها ان تم إعطائي رقم خطأ فكان علي العوده الي القسم و الإتيان بالرقم الصحيح ثم البحث ثانية.
للأسف هذه هي الإمكانيات المتاحة لنا جهاز حكومي لم تتغير نظمه منذ الستينيات غير مميكن و يديره ناس اقل ما يكن وصفهم به هو العجز، الجهل و رفض التحديث، موظفين تعينهم الحكومه بمرتبات متواضعه جدا لا تغني و تسمن من جوع تضرهم الي التصرف بطرق اخري (قد تكون غير شريفه) لسد رمقهم، فعليا الحكومه هي التي تعلم الناس الفساد الإداري، طبعا بسبب ضعف قدراتهم الشديد و عدم رغبتهم علي العمل يجب تعيين العديد من الناس للقيام بعل يمكن شخص واحد ان يقوم به، فلا يمكن للحكومه ان تعين اناس مؤهلين لأنها لا تدفع مرتبات تكفي لحياه كريمه، فعليا هي دائره لا مهرب منها. لا اعتقد ان يمكن إعادة تأهيل موظف امضي اخر 10 سنين من عمره يحول الأرقام الي محاضر و بالعكس و يعيش علي الأكراميات، بطريقة ما اصبح هذا الرجل جزء من النظام لا فارق بينه و بين اثاث مكتبه الذي لم يتغير منذ الستينيات.